يعيش المسلمون هذا العام أجواءً رمضانية لم يألفوها من قبل بسبب الإجراءات الإحترازية التي اتخذتها الدولة لمواجهة فيروس كورونا ومن بينها تعليق الصلوات في المساجد فلا جمع ولا جماعات ولا تراويح ولا تهجد ، ولا حديث في البيوت إلا عن فقد الحالة الروحية التي كان المسلمون يعيشونها في رحاب الشهر الفضيل وكذلك الجو الرمضاني العام الذي اعتدنا عليه طوال حياتنا وهذا إن دل فإنما يدل على أننا مفتقدون الحالة الروحية الرمضانية الحقيقية من الأساس ، وهذا ما بينته وكشفته تلك الأزمة ، فمع الأسف الشديد إكتشفنا أن كثيرا منا لم يكن يدرك القيمة الروحية الحقيقية لشهر رمضان حتى أننا أصبحنا على يقين كامل بأن الذي يشكو فقد الحالة الروحية هم الذين كانوا لا يحرصون على الصلاة بالمساجد وحتى أولئك الذين كانوا يحرصون على الصلاة بالمساجد اكتشفنا أن الكثيرين منهم لم يذهبوا للمساجد حقيقة لله وإنما ذهبوا من أجل الإستماع إلى قاريء بعينه أما المؤمنون الحقيقيون فهم الذين على يقين كامل بقول الله تعالى ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) المؤمنون الحقيقيون هم الذين يعلمون أن ذهابهم للمساجد كان حقيقة لله وهو سبحانه وتعالي معهم أينما كانوا لذلك فهم يصلون في بيوتهم بنفس الروح العالية التي كانوا يصلون بها في المسجد ، المؤمنون الحقيقيون لم يكن يلهيهم عن الله شيء لا مسلسلات رمضانية ولا فوازير ولا برامج رمضانية ولا خيم رمضانية ولا شيشة رمضانية ولا ارتكاب المعاصي بإسم رمضان ورمضان ممن يفعلون ذلك بريء ومع الأسف فهذا هو الجو الرمضاني العام الذي يشكو من فقده الكثير من المسلمين الآن لأنهم حرموا من السهر في الكافيهات والمقاهي ومن التسكع في الطرقات وعلى النواصي فهل هذا هو الجو الرمضاني الذي يريده الله تعالى منا والذي يعاني من فقده الكثير إن كان شهر رمضان مقصود به العبادة والتوجه لله فالعبادة موجودة لم تنتقص وإذا كان المقصود بشهر رمضان شهر الجهاد والعمل فالجهاد والعمل موجودان وإن كان المقصود من شهر رمضان أنه شهر الأخلاق المحمدية فالأخلاق المحمدية موجودة نستطيع أن نتخلق بها في جميع معاملاتنا وإن كان المقصود من شهر رمضان أنه شهر القرآن فالقرآن موجود وبين أيدينا وفي صدورنا نستطيع ان نقرأ منه في بيوتنا وأن نرتله ترتيلا أو أن نستمع إلى عظماء القراء وهم يرتلون أيات الذكر الحكيم عبر الوسائل المختلفة وإن كان المقصود القيام والتهجد فنستطيع أن نفعل ذلك في بيوتنا فنقوم طائعين مخبتين متهجدين لله فالمسلم الحقيقي هو الذي يعبد الله أينما كان وحيثما كان ويشعر بالقرب من الله تعالي حال عبادته ولا يربط علاقته بالله ولا حالته مع الله بزمان أو مكان أو بتوفر شروط معينة أو بالإستماع لشخص بعينه فهذا خطأ جسيم وقعنا فيه في سابق عهدنا مع رمضان فأصبحنا نعبد الطقوس ولا نعبد الله وكأن الله تعالي بتلك الأزمة قد نبهنا إلى شيء عظيم وإلى مرض خطير وقعت فيه قلوبنا وهو أن العبادة لكي ترتقي وتسمو بأرواحنا لابد وأن تكون خالصة لله وحده بعيدة عن الشوائب وبعيدة عن الرياء وبعيدة عن التعلق بغيره سبحانه فالله تعالى موجود وأبوابه مفتوحة لا يوصدها أبدا أمام من يقصده بإخلاص ، ولله در الصديق الأكبر أبي بكر رضوان الله عليه حين قال لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن زلزلهم خبر وفاته صلى الله عليه وسلم ( من كان يعبد محمدا فإن محمد قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ) . فالله تعالي حي لايموت ، أسأل الله تعالي أن يعلمنا ما ينفعنا وأن يرزقنا العمل بما تعلمناه حتى يورثنا سبحانه علم ما لم نكن نعلم وأن يرفع الغمة عن بلادنا وعن الإنسانية جمعاء ببركة هذا الشهر العظيم

