إعداد وتقديم إيناس أبو سيف
( الحلقة 48)
(وأولئك هم المفلحون)
ما هو الفلاح؟
المعنى العام هو الفوز والمفلح هو الفائز
-ومعنى الآيةالكريمة أولئك هم الفائزون وقال:(هم المفلحون)لأن الفلاح مأخوذ من شق الارض للبذر
ومنه سمى الفلاح الذى صفته شق الارض ورمى البذرفيها
-والحق سبحانه وتعالى جاء بهذا اللفظ بالنسبة للآخرة لأنه يريد يأتى لنا مع الشئ بدليله وهناك فرق بين أمر غيبى عنا لا نعرفه وأمر غيبى يستدل عليه بمشهود
-فالدين يقيد حريتك فى الحياة فى أن تفعل ولاتفعل
ومنهج الله جاء ليقول لك :افعل كذا ولاتفعل كذا
وكثير من الناس يظن أن ذلك تقييد لحركة حياة المؤمن وإثقال عليه لأنه أخذ منه حرية حركته فقيدها
إن الله تبارك وتعالى حين يقول لك :لا تفعل معناها عند السطحيين أنه ضيق عليك ما تريد أن تفعله
وحين يقول لك:افعل معناها يكون قد ضيق عليك فى شئ لا تريد أن تفعله
-فمثلا حين يطلب منك الزكاة فالزكاة فى ظاهرها نقص المال وإن كانت فى حقيقتها بركة ونماء
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"
ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه"
-فالحق سبحانه وتعالى إذا قيد حركتك فى الحياة لا تظن أن ذلك تضييق عليك بل إن هذالفائدتك لأنه لم يأمرك وحدك ولكن الأمر للناس جميعا
حين يقول جل جلاله :لا تسرق فقد قالها للناس جميعا ولذلك تكون انت الرابح لأنه قيدك وانت فرد من أن تسرق من غيرك ولكنه قيد ملايين من الناس من أن يسرقوا منك
-إذا فالله لم يضيق عليك ولكن حمى مالك من الناس كل الناس قيدك وانت فرد أن تسرق من مال غيرك وقيد ملايين أن يسرقوا من مالك فمن الفائز؟! أنت طبعا
-وقوله تعالى:(وأولئك هم المفلحون)
(المفلحون) من مادة (فلح)
فإذا كانت الأرض صماء فحينما نشقها ونبذرها تعطى محصولا عظيما
العملية أخذناها أبا عن جد يأتى السؤال من الذى علم آدم البذر والزرع؟
نقول :علمه الله سبحانه وتعالى كما علمه الأسماء وكما علمه ما يمكنه به أن يباشر مهمته فى الأرض
-والحق جل جلاله لم يكن يترك آدم فى حياته على الأرض دون أن يضمن استمرار حياته وحياة أولاده يعلمه على الأقل بدايات ثم بعد ذلك تتطور هذه البدايات بما يكشفه الله من علمه لخلقه وبعد ذلك جاءت القرون المتقدمة فاستطعنا أن نستخدم آلات حديثة متطورة تقوم بعملية الحرث والبذر
-ولكن الحقيقة الثابتة التى لم تتغير منذ بداية الكون ولن تتغير حتى نهايته هى أن مهمة الإنسان أن يحرث ويضع البذرة فى الأرض ويسقيهاأما نمو الزرع نفسه فلا دخل للإنسان فيه وكذلك الثمر الذى ينتجه لا عمل للإنسان فيه
-ولقد نبهنا الله تبارك وتعالى إلى هذه الحقيقة حتى لا نغتر بحركتنا فى الحياة ونقول إننا نحن الذين نزرع واقرأ قوله جل جلاله فى سورة الواقعة:(أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون إنَّا لمغرمون بل نحن محرومون)٦٣-٦٧الواقعة
-وهكذا ظلت مهنةالفلاحة فى الأرض مقتصرة على الحرث والسقى والبذر وحينما تلقى الحبة فى الأرض يخلق الله فى داخلها الغذاء الذى يكفيها حتى تستطيع أن تأخذ غذاءها من الأرض وإذا جئت بحبة وبللتها فستجد أنها قد نبت لها ساق وجذور من أين جاء هذا النمو؟من نفس تكوين الحبة
-والله تبارك وتعالى قد قدر فى كل حبة من الغذاء ما يكفيها حتى تستطيع أن تتغذى من الأرض وعلى قدر كمية الغذاء المطلوبة يكون حجم الحبة
وحين تضعها فى الارض فإنها تبدأ أولا بأن تغذى نفسها بحيث ينبت لها ساق وجذور وورقتان تتنفس منهما كل هذا لادخل لك ولا عمل لك فيه وتبدأ الحبة تأخذ غذاءها من الأرض والهواء لتنمو حتى تصبح شجرة كبيرة تنتج الثمر من نفس نوع البذرة
-ومن هنا جاءت كلمة(المفلحون)ليعطينا الحق جل جلاله من الأمور المادية المشهودة ما يعين عقولنا المحدودة على فهم الغيب
فيشبه التكليف وجزاءه فى الآخرة بالبذرة والفلاحة
أولا لأنك حين ترمى بذرة فى الأرض تعطيك بذورا كثيرة
-وأقرأ قول الله سبحانه وتعالى :(مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم)٢٦١البقرة
وإذا كانت الأرض وهى التى خلقها الله سبحانه تهبك أضعاف أضعاف ما أعطيتها فكيف بالخالق؟وكم يضاعف لك من الثواب فى الطاعة؟
هذا هو السبب فى أن الحق سبحانه وتعالى يقول:(وأولئك هم المفلحون)
حتى يلفتنا بمادة الفلاحة وهى شئ موجود نراه ونشهده كل يوم
-وكما أن التكليف يأخذ منك أشياء ليضاعفها لك كذلك الأرض أخذت منك حبة ولَم تعطك مثل ما أخذت بل أعطتك بالحبة سبعمائة حبة
وهكذا نستطيع أن نصل بشئ مشهود يفصل لنا شيئا غيبيا
وغدا بإذن الله سنبدأ فى الخواطر حول قوله تعالى(إن الذين كفروا سواء عليهم ءانذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون)