تمر اليوم ذكرى غالية على نفوسنا جميعا ألا وهي ذكرى غزوة بدر الكبرى تلك الغزوة العظيمة التي شهدت أولى الإنتصارات الإسلامية العظيمة على قوى الشرك والطغيان ، فكل عام وأنتم بخير ، ونسأل الله تبارك وتعالى في هذه المناسبة العظيمة أن يرفع عنا الضر والبلاء عنا وعن الإنسانية جمعاء آمين يارب العالمين . وغزوة بدر لها في نفوس المسلمين مكانة عظيمة لأسباب كثيرة سأتناولها على قدري إذا شرح الله صدري وأول هذه الأسباب : أنها أول لقاء عسكري بين المسلمين ومشركي قريش بعد أن أذن الله تعالي للمؤمنين في القتال فلطالما تعرض المسلمين الأوائل قبلها للإيذاء والحبس والتعذيب على أيدي مشركي قريش وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرفض أن يرد الإيذاء بالإيذاء لأن الله تعالى لم يأذن له بالقتال وبعد أن هاجر المسلمون إلى المدينة وأصبح لهم دولة لها حدود جغرافية وهذه الحدود الجغرافية لابد أن تحترم من الجميع أذن الله تعالي للمؤمنين بالقتال حفاظا على حدود دولتهم وهيبتها وأنزل الله تعالي قوله ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ) السبب الثاني : أن الله تعالى نصر فيها المسلمين على قلة عددهم ونقص عتادهم ليبين لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولجميع الأجيال المسلمة جيلاً بعد جيل أن النصر دائما من عند الله وأن المسلمين ينتصرون في كل زمان ومكان بثلاثة عوامل العامل الأول عقيدة راسخة ، العامل الثاني الأخذ بالأسباب المتاحة بين أيدينا دونما تقصير أو إهمال أو تفريط ومن بينها المعرفة بفنون القتال ووضع التخطيط المناسب وإعداد ما استطعنا من قوة ورفع الروح المعنوية للجنود وتأهيلهم معنويا للصبر والثبات في ميادين القتال- أما العامل الثالث فهو الثقة المطلقة في الله . إذا تحققت هذه العوامل الثلاثة فإن النصر حليف للمسلمين بإذن الله وقد حقق المسلمون الأوائل هذه العوامل الثلاثة فنصرهم الله تعالي السبب الثالث : أن هذه الغزوة قلبت موازين القوى العسكرية في الجزيرة العربية فهذه قريش التي لا يشق لها غبار في المعارك ولها مهابة عظيمة في قلوب القبائل العربية تنكسر شوكتها وتلقي هزيمة قاسية من فئة قليلة من المسلمين ، ولفتت هذه الهزيمة القاسية لقريش أنظار العرب إلى ذلك الدين الجديد الذي ينتصر أتباعه على الرغم من قلة عددهم السبب الرابع : أن الله جل في علاه سمي يوم بدر بيوم الفرقان فقال سبحانه ( وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقي الجمعان ) وسماها سبحانه بيوم الفرقان لأنه فرق في ذلك اليوم بين الحق والباطل ، ووضع الله تعالي في ذلك اليوم نهاية لأولئك الذين أذوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فهل سمعتم إسم أبي جهل أو أمية ابن خلف أو عتبة بن ربيعة أو شيبة بن ربيعة هل سمعتم أسمائهم تتردد في كتب التاريخ بعد تلك الغزوة ؟ بالطبع لا لأن الله تعالي وضع نهاية لصلفهم وغطرستهم ليس ذلك فحسب بل إن النبي صلى الله عليه وسلم بشر بمصرعهم ليلة المعركة ، يقول الفاروق عمر رضوان الله عليه ( خرج بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بدر يرينا مصارع القوم في بدر ويقول هنا مصرع فلان وهنا مصرع فلان غدا إن شاء الله فوالذي نفسي بيده ما أماط واحد منهم عن موضع يده الشريفة صلى الله عليه وسلم السبب الخامس : أن هذه الغزوة جمعت بين خبرة الكبار وفتوة الشباب والتي تحتاج الأمم دائما لكليهما لتحقيق نهضتها فميزان نهضة الأمم دائما هو الجمع بين ذوي الخبرة والشباب فهذا الصحابي الجليل الحباب بن منذر رضي الله عنه صاحب الخبرة في ميادين القتال على الرغم من صغر سنه فهو الذي أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بالتمركز في موضع غزوة بدر بحيث يجعلون الماء خلفهم وليس أمامهم وكان هذا الإختيار سببا من أسباب تحقيق النصر ، وكذلك سعد بن معاذ رضي الله عنه سيد الأنصار الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يستشيرهم ( يا رسول الله والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وإنا لصبر في الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك ) فألهبت كلماته حماسة المسلمين للزود عن دينهم وعن نبيهم صلى الله عليه وسلم . هكذا كان المسلمون الأوائل أفضل أجيال البشر وأعظم تلاميذ النبوات . نسأل الله تعالي أن يلحقنا بهم على الإيمان وأن يجعلنا في زمرة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم أمين يارب العالمين . وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

