إعداد وتقديم : إيناس أبو سيف
( الحلقة 52)
والآن سنبدأ فى الخواطر حول قوله تعالى:
(ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين)
الناس فى الحياة الدنيا ثلاثة أحوال:
إما مؤمن وإما كافر وإما منافق
-والله سبحانه وتعالى فى بداية القرآن الكريم فى سورة البقرة أراد أن يعطينا وصف البشر جميعا بالنسبة للمنهج وأنهم ثلاث فئات:
الفئة الأولى هم المؤمنون عرفنا الله سبحانه وتعالى صفاتهم فى ثلاث آيات فى قوله تعالى:(الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة وَمِمَّا رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون)٣-٥البقرة
والفئة الثانية هم الكفار وعرفنا الله سبحانه وتعالى صفاتهم فى آيتين فى قوله تعالى:(إن الذين كفروا سواء عليهم ءانذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم)٦-٧البقرة
والفئة الثالثة هم المنافقون وجاء للمنافقين فعرف صفاتهم فى ثلاث عشرة آية لماذا؟
لخطورتهم على الدين فالذى يهدم الدين هو المنافق
أما الكافر نحن نتقيه ونحذره لأنه يعلن كفره
-إن المنافق يتظاهر أمامك بالإيمان ولكنه يبطن الشر والكفر وقد تحسبه مؤمنا فتطلعه على أسرارك فيتخذها سلاحا لطعن الدين
-وقد خلق الله فى الإنسان ملكات متعددة ولكى يعيش الإنسان فى سلام مع نفسه لابد أن تكون ملكاته منسجمة وغير متناقضة
-فالمؤمن ملكاته منسجمة لأنه اعتقد بقلبه فى الإيمان ونطق لسانه بما يعتقد فلا تناقض بين ملكاته أبدا
-والكافر قد يقال أنه يعيش فى سلام مع نفسه فقد رفض الإيمان وأنكره بقلبه ولسانه ينطق بذلك
-ولكن الذى فقد السلام مع ملكاته هو المنافق
إنه فقد السلام مع مجتمعه وفقد السلام مع نفسه فهو يقول بلسانه ما لا يعتقد قلبه يظهر غير ما يبطن ويقول غير ما يعتقد ويخشى أن يكشفه الناس فيعيش فى خوف عميق وهو يعتقد أن ذلك شئ مؤقت سينتهى
-ولكن هذا التناقض يبقى معه إلى آخر يوم فى الدنيا ثم ينتقل معه إلى الآخرة فينقض عليه ليقوده إلى النار واقرأ قوله تعالى :(حتى إذا جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذى أنطق كل شئ وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون)٢٠-٢١فصلت
إذا :كل ملكاتهم انقضت عليهم فى الآخرة فالسلام الذى كانوا يتمنونه لم يحققوه لا فى حياتهم ولا فى آخرتهم
فلسان المنافق يشهد عليه ويداه تشهدان عليه ورجلاه تشهدان عليه والجلود تشهد عليه فماذا بقى له؟
بينه وبين ربه تناقض وبينه وبين نفسه تناقض وبينه وبين مجتمعه تناقض وبينه وبين آخرته تناقض وبينه وبين الكافرين تناقض يقول لسانه ما ليس فى قلبه
-وبماذا وصف الله سبحانه وتعالى المنافقين؟
قال تعالى(ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين)٨البقرة
-هذه هى أول صفات المنافقين فى القرآن الكريم يعلنون الإيمان وفى قلوبهم الكفر ولذلك فإن إيمانهم كله تظاهر إذا ذهبوا للصلاة لا تكتب لهم لأنهم يتظاهرون بها ولا يؤدونها عن إيمان
وإذا أدوا الزكاة فإنها تكون عليهم حسرة لأنهم ينفقونها وهم لها كارهون لأنها فى زعمهم نقص من مالهم لا يأخذون عليها ثَوَابا فى الآخرة
وإذا قتل واحد منهم فى غزوة انتابهم الحزن والاسى لأنهم أهدروا حياتهم ولَم يقدموها فى سبيل الله
وهكذا يكون كل ما يفعلونه شقاء بالنسبة لهم
-أما المؤمن فحين يصلى أو يؤدى الزكاة أو يستشهد فى سبيل الله فهو يرجو الجنة
أما المنافقون فأنهم يفعلون كل هذا وهم لا يرجون شيئا
فكأنهم قد حكم عليهم الله سبحانه وتعالى بالشقاء فى الدنيا والآخرة فلا هم فى الدنيا لهم متعة المؤمن فيما يفعل فى سبيل الله ولا هم فى الآخرة لهم ثواب المؤمن فيما يرجو من الله
وغدا بإذن الله سنبدأ فى الخواطر حول قوله تعالى :(يخادعون الله والذين ءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون)

