إعداد وتقديم : إيناس أبو سيف
(الحلقة51)
الآن سنبدأ فى الخواطر حول قوله تعالى:
(ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم)
كما أعطانا الله سبحانه وتعالى أوصاف المؤمنين يعطينا أوصاف الكافرين
-وقد يتساءل بعض الناس إذا كان هذا هو حكم الله على الكافرين فلماذا يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان منهم وقد ختم على قلوبهم ؟!
-معنى الختم على القلب هو حكم بألا يخرج من القلب ما فيه من الكفر ولا يدخل إليه الإيمان
-نقول :إن الله سبحانه وتعالى غنى عن العالمين فإن استغنى بعض خلقه عن الإيمان واختاروا الكفر فإن الله يساعده على الاستغناء ولا يعينه على العودة إلى الإيمان
-ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يقول فى حديث قدسي:أنا عندظن عبدى بى وأنا معه إذا ذكرنى فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منه وإن تقرب إلى شبرًا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلى ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتانى يمشى آتيته هروله
-وقد وضح فى الحديث القدسى أن الله تبارك وتعالى يعين المؤمنين على الإيمان وأن الله جل جلاله كما يعين المؤمنين على الإيمان فإنه لا يهمه أن يأتى العبد إلى الإيمان أو لا يأتى
-ولذلك نجد القرآن دقيقا ومحكما بأن من كفروا اختاروا الكفر بإرادتهم وإختيارهم الكفر كان أولا قبل أن يختم الله على قلوبهم
والخالق أغنى الشركاء عن الشرك ومن أشرك به فإنه فى غنى عنه
-إن الذين كفروا أى:ستروا الإيمان بالله ورسوله هؤلاء يختم الله بكفرهم على آلات الإدراك كلها القلب والسمع والبصر
-والقلب آداة إدراك غير ظاهرة وقد قدم الله القلب على السمع والبصر فى تلك الآية لأنه يريد أن يعلمنا منافذ الإدراك
وفى القرآن الكريم يقول الحق تبارك وتعالى:(والله أخرجكم من بُطُون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون)٧٨النحل
-ولكن فى الآية التى نحن بصددها قدم الله القلوب على السمع والأبصار
إن الله يعلم أنهم أختاروا الكفر وكان هذا الإختيار قبل أن يختم الله على قلوبهم
-والختم على القلوب معناه أنه لا يدخلها إدراك جديد ولا يخرج منها إدراك قديم ومهما رأت العين أو سمعت الأذن فلا فائدة من ذلك لأن هذه القلوب مختومة بخاتم الله بعد أن اختار أصحابها الكفر وأصروا عليه وفى ذلك يصفهم الحق جل جلاله:(صُم بكم عمى فهم لا يرجعون)١٨ البقرة
-ولكن لماذا فقدوا كل أدوات الإدراك هذه؟
لأن الغشاوة التفت حول القلوب الكافرة فجعلت العيون عاجزة عن تأمل آيات الله والسمع غير قادر على التلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم
-إذا فهؤلاء الذين أختاروا الكفر وأصروا عليه وكفروا بالله رغم رسالاته ورسله وقرآنه ماذا يفعل الله بهم؟
إنه يتخلى عنهم ولأنه سبحانه وتعالى غنى عن العالمين فإنه ييسر لهم الطريق الذى مشوا فيه ويعينهم عليه واقرأ قوله تعالى:(ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين)٣٦الزخرف
ويقول جل جلاله:(هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم )(٢٢١-٢٢٢) الشعراء
-ومن عظمة الله سبحانه وتعالى أنه يعلم المؤمن والكافر دون أن يكون له تدخل فى اختيارهم
فعندما بعث الله سبحانه وتعالى نوحا عليه السلام ودعا نوح إلى منهج الله تسعمائة وخمسين عاما
وقبل أن يأتى الطوفان علم الله سبحانه وتعالى أنه لن يُؤْمِن بنوح عليه السلام إلا من آمن فعلا فطلب منه أن يبنى سفينة لينجو المؤمنون من الطوفان واقرأ قوله جل جلاله:
(وأوحى إلى نوح أنه لن يُؤْمِن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني فى الذين ظلموا أنهم مغرقون)٣٦-٣٧هود
وهكذا نرى أن من عظمة علم الله سبحانه وتعالى أنه يعلم من يصر على الكفر وأنه سيموت كافرا
وإذا كانت هذه الحقيقة فلماذا يطلب الله تبارك وتعالى من رسوله أن يبلغهم بالمنهج والقرآن؟!
-ليكونوا شهداء على أنفسهم يوم القيامة فلا يأتى هؤلاء الناس يوم المشهد العظيم ويجادلون بالباطل إنه لو أبلغهم الهدى ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لآمنوا
-ولكن لماذا يختم الله جل جلاله على قلوبهم؟!
لأن القلب هو مكان العقائد ولذلك فإن القضية تناقش فى العقل فإذا انتهت مناقشتها واقتنع بها الإنسان تماما فإنها تستقر فى القلب ولا تعود إلى الذهن مرة أخرى وتصبح عقيدة وإيمانا
-والحق سبحانه وتعالى يقول:(فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور)٤٦الحج
-وإذا عمى القلب عن قضية الإيمان فلا عين ترى آيات الإيمان ولا أذن تسمع كلام الله وهؤلاء الذين اختاروا الكفر على الإيمان لهم فى الآخرة عذاب عظيم
-ولقد وصف الله سبحانه وتعالى العذاب بأنه أليم وبأنه مهين وبأنه عظيم العذاب الاليم:هو الذى يسبب ألما شديدا
والعذاب المهين: هو الذى يأتى لأولئك الذين رفعهم الله فى الدنيا وأحيانا تكون الإهانة أشد إيلاما للنفس من العذاب نفسه
أولئك الذين كانوا أئمة الكفر فى الدنيا
يأتى بهم الله تبارك وتعالى يوم القيامة أمام من اتبعوهم فيهينهم
أما العذاب العظيم:فأنه منسوب إلى قدرة الله سبحانه وتعالى لأنه بقدرات البشر تكون القوة محدودة أما بقدرات الله جل جلاله فالقوة تكون بلا حدود لأن كل فعل يتناسب مع فاعله وقدرة الله عظيمة فى كل فعل وبما أن العذاب من الله جل جلاله فإنه يكون عذابا عظيما
وغدا سنبدأ بإذن الله تعالى فى الخواطر حول قوله تعالى:(ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين)

