ما أسرع الأيام ، وما أعجل ما تنصرم الشهور والأعوام ، وهذه هي الدنيا وهذه هي الأيام أيامتأتي وأيام تمر ولا دائم إلا وجه الله تبارك وتعالى ، وكل يوم يمر علينا ينقص من أعمارنا يوما ، وكل يوم جديد يقبل علينا ينادي فينا ويقول : يابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة ، وقد جعل الله تعالي في تقلب الدهر عبر وفي تغير الأحوال مُدكر ، يقول سبحانه ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً ) . لقد كنا بالأمس القريب ننتظر قدوم رمضان . كنا بالأمس القريب نهنيء أنفسنا باستقبال خيرات وبركات ونفحات شهر رمضان المبارك ، وها نحن اليوم نودع شهر رمضان ، نودع هذا الشهر العظيم بعد أن أدينا فيه فريضة عظيمة يحبها الله جل في علاه ألا وهي فريضة الصيام ومن محبته سبحانه وتعالى للصيام أنه سبحانه جعل ثواب الصيام له وحده فقال جل في علاه : كل عمل ابن آدم يضاعف له الحسنة بعشر أمثالها إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ، فلا يستطيع أحد من الخلق أن يعرف قدر ثواب الصيام حتى الملائكة التي تكتب الحسنات والسيئات لا تستطيع أن تضع ثواباً للصائم على صيامه وإنما تكتب في صحيفته وصفاً لصيامه فقط والله تعالى وحده هو الذي يقدر ثواب الصائم ولذلك أخبرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم بأن للصائم فرحتان إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه فيفرح الصائم بصومه عند لقاء ربه لأن الله تعالي يكافئه على صيامه بما لا يتصوره أحد وهذا من عظيم محبة الله تبارك وتعالى لعبادة الصوم . نودع شهر رمضان المبارك بعد أن أدينا فيه سنة عظيمة ألا وهي سنة قيام الليل فقمنا شهر رمضان لله وأحيينا ليلنا وتهجدنا فيه لله رب العالمين فسرنا في قيامنا لليلنا وتهجدنا على درب الصالحين نتلمس خطاهم ونهتدي بهداهم وقد بشرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بأن من قام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه . نودع شهر رمضان المبارك بعد أن تحرينا فيه ليلة القدر والتمسناها في العشر الأواخر من رمضان والتي بشرنا بها رب العزة جل في علاه في كتابه العزيز بأنها خير من ألف شهر لمن أقامها وأحياها لله وهي من خصوصيات الأمة المحمديه أعطاها الله تعالى لنا لقصر أعمارنا وقلة أعمالنا قياساً على اعمار الأمم السابقة ، نودع شهر رمضان المبارك ونشعر من أعماقنا بأننا نودع إنساناً عزيزاً غالياً على نفوسنا جميعا ، قد جاءنا هذا الإنسان زائراً ونزل علينا ضيفاً كريماً ، ومكث فينا شهراً كاملاً حتى اعتدنا عليه ، وعلمنا هذا الضيف الكريم كيف تكون مكارم الأخلاق علمنا ذلك الضيف كيف يكون الصدق مع الله والإخلاص له سبحانه ، علمنا هذا الضيف الكريم كيف نعمر بيوتنا بالطاعة والعبادة لما حرمنا عمارة مساجدنا بسبب الظروف التي نمر بها ، علمنا ذلك الضيف كيف نسمو بقلوبنا وكيف نرتقي بأرواحنا وكيف ننتصر على أنفسنا في معركة الجهاد الأكبر . فالصيام لم يكن امتناعا عن الطعام والشراب فحسب وإنما كان ارتقاءاً قلبياً وسمواً روحياً وتهذيباً لجوارحنا التي أطلقنا العنان لها طيلة العام ، علمنا ذلك الضيف المبارك أن الصيام لم يكن أبداً ذريعة للخمول والكسل وإنما للجد والنشاط والإجتهاد ، علمنا ذلك الضيف أن القرآن الكريم يجب أن يكون ملازما لنا في جميع حياتنا وليس في شهر رمضان فقط لأننا ما وصلنا لما نحن فيه من هوان إلا لابتعادنا عن القرآن رمز العزة للمؤمنين وحبل الله الممدود من السماء إلى الأرض ، علمنا ذلك الضيف المبارك كيف نطبق قول الله تعالى ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) في جميع جوانب حياتنا . فلا أوحش الله منك يا شهر رمضان ، لا أوحش الله منك يا شهر الصيام ، لا أوحش الله منك يا شهر القيام ، لا أوحش الله منك يا شهر القرآن يا شهر ليلة القدر وما أجمل قول الشاعر في وداع رمضان حين قال رمضان .. مالك تلفظ الأنفاســـــــا *** أو لم تكن في أفقنا نبراســــــا لطفاً رويدك بالقلوب فقد سمت *** واستأنست بجلالك استئناسا أتغيب عن مهج تجـــــــــلك بعدما *** أحيــــــا بك الله الكريم أناســـا أسمع وداعـــك في نشيج مشيع ***ولظى فراقك يلهب الإحساسا اللهم إنا نسألك أن تتقبل من الصيام والقيام وصالح الأعمال وأن يعيد علينا شهر رمضان المبارك أعواماً عديدة وأزمنة مديدة وأن يبارك في أعمارنا وصحتنا وفي أنفسنا وأن يجعلنا من عتقاءه في هذا الشهر الكريم وأن يهل علينا هلال شوال بالخير واليمن والبركات وأن يجعله عيداً مباركاً علينا وعلى جميع المسلمين في شتى بقاع الأرض وعلى الإنسانية جمعاء أمين يارب العالمين . وكل عام وحضراتكم جميعا بخير