-->
U3F1ZWV6ZTM4NzkwMzQ5ODA4X0FjdGl2YXRpb240Mzk0NDExNDQwNzM=
الاتحاد
random
أخبار ساخنة

دراسة نقدية للعرض المسرحي "ريسايكل"بقلم الباحثة بريهان أحمد


في ليلة شتاء باردة,وأجواء ممطرة شجيّة ملئت سماء القاهرة الجميلة بركام الغيوم,شعرتُ برغبةٍ عارمة في حضور مسرحية ساخرة أخرج بعد سدول ستارتها بروحٍ جديدة أو بفكرة مُذهلة أو حتّى تجعلني أقف لمواجهة نفسي ومجتمعي,لكنى كنتُ مترددة بعض الشيء بسبب تراجع الأعمال المسرحية التى لا تُفيد المُتفرج حتّى أنه بعد خروجه من العرض المسرحي لا يكاد يذكر منه جملة واحدة,ولا مشهد,ولا حتى حركة استعراضية مع خلفية موسيقية مؤثرة في نفسه؛ببساطة لأن الدور الفني الذي يلعبه المسرح في وقتنا الحالي غاب عن الساحة الفنية. 

حيث تم إختزال دوره في الاسكتشات أو الإرتجال الملل المكرر غير الهادف,نتيجة لذلك غاب دور المسرح الحقيقي الذى يولد الفكرة والتجديد داخل المتلقي بل وداخل المُجسد للدور نفسه ليتقمص ويتمكن من أدواته (أقصد:الممثل)؛لتتقاذف من فوهة البركان القذائف الغاضبة من داخل نفس ورُوح المتفرج ليحاول بينه وبين نفسه أن يُعدل من سلوكه,بل من سلوك مجتمعه أو على الأقل يجعلنا نقف أمام أنفاسنا وأمام مجموعة الدوائر الملاصقة للعيوب والعادات, بل والعاهات التى طفحت على سطح مجتمعنا إلى أن أصبح الصدأ المتراكم علي حلقاتها يصدر صريرًا مُزعجًا لنا جميعا؛ لأن الفن الذى لا يجسد ولا يقدم مشاكل مجتمعه, بلا شك فنًا هابطًا لا يستحق أن ننظر إليه بعين الاعتبار ولا التقدير؛لأن الفن والأدب مرآة الواقع لا يجسده كله ولكنه لا يتركه جُله . هنا قررتُ حضور مسرحية "ريسايكل" فكرة و إخراج محمد الصغير. 

"ريسايكل "هي مسرحية ارتجالية تدور في إطار كوميدي اجتماعي,حيث تتناول مشاكل وقضايا هامة؛مثل: الزواج ,العنوسة, والتحرش,والتعليم,والقيود التى تمسك بيد المرأة في مجتمع لا يرحمها ولا يحاول إنصافها احسست أننى بالفعل في حضرة المسرح العريق الذى يقدمه الفنان محمد صبحي والمؤلفات التى تبث القيمة والفضلية للكاتب المسرحي لينين الرملي,حيث كانوا ثنائي قدم للمسرح العربي والكوميدي مسرحيات فلسفية ترتقي إلي مرتبة الفلسفة  .تبدأ المسرحية في مشهدها الأول في ثوب الكوميديا حيث الملابس, والديكور, والحركات التمثيلية للممثلين- لكن الأمر يبدو غير ذلك- هكذا يظن المُتفرج للوهلة الأولي, فبعد دخول الممثل صلاح الدالي بطريقته الساخرة الممتعة حيث كسر الحاجز بينه وبين الجمهورالجالس أمام خشبة المسرح,حيث شاركهم تجاربهم في المشهد المُرتجل,هنا توصلت لفكرة أن مهارة الممثل هي وحدها القادرة على أن تجذب المشاهدون لخشبة المسرح في وقتٍ قياسي, بعد ذلك يبدأ عرض " إعادة تدوير الأشياء" هكذا تعني كلمة recycle – ريسايكل حيث مشهد العنوسة وأم عماد الذى قدمته الممثلة الشابة البارعة علياء أشرف المرأة التى تعمل في خدمة الكول سنتر لجلب الزوج المناسب لفتاة يشير إليها المجتمع والنساء بإصبع الإتهام,كأن تأخر كل فتاة عن الزواج هو عيب فيها, وفي شخصها,إذن أين مشاكل الظروف الاقتصادية التى تُعَّدُ عاملا رئيسا من عوامل العزوف عن الزواج ؟ ماذا عن القيم والعادات التى غابت عن البيت المصرى فلا يجد الرجل زوجة مثل أُمُّه ولا تجد المرأة رجلًا مثلا أخيها وأبيها؟ أين المشاعر التى لم تعد موجودة ؟ فكل رجل يتزوج من أجل الزواج وكل مرأة تتزوج حتى لا يفوتها قطر الزواج في تلك اللحظة يقع الطلاق؟! هنا يظهر التناقض واللامنطق من خلال جمع الكوميديا مع (العقل) هنا تذكرت مقولة الفيلسوف الدنماركي سورين كيريجارد " أينما توجد الحياة يوجد التناقض,وأينما يوجد التناقض توجد الكوميديا" قرأتها في كتاب المسرح بين النص والعرض, فالذى يميز الكوميديا هو طبيعتها الدرامية وتناقضها المأساوي طريقة تقديمها للمتفرج,رغم كوميديا الموقف المقدم لنّا إلا أننى ابتسمتُ,وأخذت أُصفق بحرارة,رغم أن الدموع ملئت عينى, أمّا المشهد الثاني هو مشهد الزوج والزوجة وتغير المشاعر والإحاسيس بعد الزواج جسده الممثل محمد سراج بشكلٍ جذاب ومؤلم ,فالحياة الطاحنة طحنتنا جميعا دون استثناء لأحد رجالا ونساء وأطفال, فرغم تبدل المشاعر والعبثية التى ندور فيها يبقي الحب في غرفة مؤصدة بأقفال من حديد أكلها الصدأ بسبب عدم استخدامها؛فنتج الفطور واللامبالاة التى تختلف عن الطبيعة الفطرية. 

أمّا المشهد الثالث الذى يصور المنظومة التعليمية التى تخرج عن دائرة المنطق والعقل ,جسدت في حركتين متتاليتن حركة الزمن الحاضر لفتاة أُصيبت بالجنون ومشهد فلاش باك يعود للماضي ليبين حقيقة جنونها,فالإيقاع المسرحي لم يخل بفهم المتفرج,ولم يصيبه بالتشويش,ولم يجعله متخبط الفهم بل خرجت الواقعية في قالب كوميدي سهل ممتنع ,حيث يعبر بحرافية ويصور الواقع على قدر الإمكان؛لأننا بالفعل حتى الآن لم نعالج مشاكل تعليمنا, بل نجرب كل مرة خطة جديدة والمظلوم الوحيد هو الطالب إمّا دخوله كلية أقل من قدراته أو كلية لم يرغب فيها من الأساس ,فالمهم لدى الأسرة  الشهادة التى تُعَدُّ وسيلة تغطية للمظهر الاجتماعي. 

أمّا مشهد ممثل الصدفة خلال إقامة أوديشن لبعض الممثلين لاختيار واحد منهم,حيث تم اختيار شخص بمحض الصدفة لا على أساس الموهبة ,يجسد هذا المشهد ماعليه الواقع من معاني تبدلت,ومفردات ومعايير للفن تغيرت,والصورة المشوهة للفنان القدوة التى لم تعد موجودة في عالمنا,فالممثل إما إنه بلطجي أو غير مالك لادواته التمثيلية إلى غير ذلك ...ليأتي السؤال : ما الفن؟ وأين القدوة؟ أين الفكر؟ أماتت كل هذه المقومات مثلما مات الرقي والفضيلة؟!

أمَّا تعليقي علي مشهد التحرش الذى جسدته الممثلة الشاملة نانسي نبيل؛وقاصدة أنا كلمة "شاملة" لأنها قادرة على الغناء ,والتمثيل ,والأداء الصوتي ,بل والرقص وهي ألوان تعبير متعددة تُجسد القدرة الكامنة داخلها,وجدتُ أصدق تعبير يُجسد إهانة كل فتاة تعرضت للتحرش وإبتزاز الجسد,ومدي العداء الذى يفتعله الرجل في حق المرأة عندما يتخطي حدوده من خلال تنفيسه عن كبته وشهوانيته في جسد لا حق له فيه,رغم ذلك لم ينصف المجتمع المرأة بل يصوب فوهة مسدسه في وجهها ليقتلها مجازيًا ألف مرة ومرة دون أى رحمة ,قلما وجدت فن يعبر قضايا مجتمعه بعد مسرح صبحي ,قلمّا وجدت أعمال تقرأ بالسمع والعين لا بحاسة واحدة , المسرحية اظهرت العلاقة الفاعلة بين المنطق والعقل والفلسفة الهزلية التى تقدم القيم والمشكلات لنعالجها, فنحن في حاجة ماسة إلى الضحكة المُقدمة في ثوب مسرحي يُعيد للمسرح المجد,ويحترم عقل المشاهد على الأقل يستطيع تصوير واقعنا بطريقة لا تؤلمنا, في النهاية أهم مافي الرسالة التى يقدمها الفن الإنسانية التى تُقدم للمُشاهد وللمجتمع وللعالم أظن أنها أرقي الرسائل التى يقدمها الإبداع الأدبي.

الاسمبريد إلكترونيرسالة